منتدى الفراعنة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
منتدى الفراعنة

منتدى أ/سمير حماية


المواضيع الأخيرة

» تطبيق لايف هاك تجارب ونصائح وأفكار منزلية
بيت من لحم..يوسف ادريس Icon_minitime1الثلاثاء أبريل 19, 2022 7:25 pm من طرف hanan45

» تطبيق وصفات طبخ
بيت من لحم..يوسف ادريس Icon_minitime1الخميس أبريل 14, 2022 5:57 pm من طرف hanan45

» تفسير الاحلام كاملا بالحروف
بيت من لحم..يوسف ادريس Icon_minitime1الأحد أبريل 03, 2022 9:48 pm من طرف hanan45

» تطبيق وصفات طبيعية للتجميل
بيت من لحم..يوسف ادريس Icon_minitime1الثلاثاء مارس 29, 2022 11:12 pm من طرف hanan45

» الاتجاهات الحديثة في الكتابة القانونية
بيت من لحم..يوسف ادريس Icon_minitime1الإثنين سبتمبر 27, 2021 10:36 am من طرف sabra group

» الاتجاهات الحديثة في الكتابة القانونية
بيت من لحم..يوسف ادريس Icon_minitime1الإثنين سبتمبر 27, 2021 10:36 am من طرف sabra group

» الاتجاهات الحديثة في الكتابة القانونية
بيت من لحم..يوسف ادريس Icon_minitime1الإثنين سبتمبر 27, 2021 10:35 am من طرف sabra group

» الاتجاهات الحديثة في الكتابة القانونية
بيت من لحم..يوسف ادريس Icon_minitime1الإثنين سبتمبر 27, 2021 10:35 am من طرف sabra group

» الاتجاهات الحديثة في الكتابة القانونية
بيت من لحم..يوسف ادريس Icon_minitime1الإثنين سبتمبر 27, 2021 10:32 am من طرف sabra group

التبادل الاعلاني


    بيت من لحم..يوسف ادريس

    avatar
    سميرحمايه


    عدد المساهمات : 3157
    تاريخ التسجيل : 29/10/2010
    العمر : 54

    بيت من لحم..يوسف ادريس Empty بيت من لحم..يوسف ادريس

    مُساهمة من طرف سميرحمايه الخميس نوفمبر 24, 2011 2:43 pm


    بيت من لحم


    الخاتم بجوار المصباح . الصمت يحل فتعمى الاذان . فى الصمت يتسلل الاصبع . يضع الخاتم. فى صمت ايضا يطفأ المصباح . والظلام يعم .
    فى الظلام ايضا تعمى العيون. الارملة وبناتها الثلاث. والبيت حجرة. والبداية صمت .
    * * *
    الارملة طويلة بيضاء ممشوقة ، فى الخامسة والثلاثين. بناتها ايضا طويلات فائرات، لا يخلعن الثوب الكاسى الاسود بحداد او بغير حداد . صغراهن فى السادسة عشرة وكبراهن فى العشرين .. قبيحات ورثن جسد الاب الاسمر الملئ بالكتل غير المتناسقة والفجوات ، وبالكاد اخذن من الام العود .
    الجحرة ، رغم ضيقها تسعهن فى النهار . رغم فقرها الشديد مرتبة انيقة ، يشيع فيها جو البيت وتحفل بلمسات الاناث الاربع . فى الليل تتناثر اجسادهن كأكوام من لحم دافئ حى ، بعضها فوق الفراش ، وبعضها حوله ، تتصاعد منها الانفاس حارة مؤرقة ، احيانا عميقة الشهيق .
    الصمت خيم مذ مات الرجل ، والرجل مات من عامين بعد مرض طويل . انتهى الحزن وبقيت عادات الحزانى وابرزها الصمت .. صمت طويل لا يفرغ اذ كان فى الحقيقة صمت انتظار فالبنات كبرن والترقب طال والعرسان لا يجيئون . ومن المجنون الذى يدق باب الفقيرات القبيحات ، وبالذات اذا كن يتامى ؟ . ولكن الامل بالطبع موجود ، فلكل فولة كيال ولكل بنت عدلها . فاذا كان الفقر هناك فهناك دائما من هو افقر ، واذا كان القبح هناك فهناك دائما الاقبح والامانى تنال .. احيانا تنال بطول البال .
    * * *
    صمت لم يكن يقطعه الا صوت التلاوة … يتصاعد فى روتين لا جدة فيه ولا انفعال . والتلاوة لمقرئ ، والمقرئ كفيف ، والقراءة على روح المرحوم وميعادها لا يتغير .. عصر الجمعة يجئ بعصاه ينقر الباب ، ولليد الممدودة يستسلم ، وعلى الحصير يتربع . وحين ينتهى يتحسس الصندل ، ويلقى بتحية لا يحفل احد بردها ، ويمضى . بالتعود يجئ ..بالتعود يقرأ .. بالعادة يمضى ، حتى لم يعد يشعر به او ينتبه اليه احد ..
    دائم هو الصمت ، حتى وتلاوة عصر الجمعة تقطعه اصبحت وكأنها قطع الصمت بصمت . دائم هو كالانتظار ، كالامل .. امل قليل ولكنه دائم، فهو امل فى الاقل . دائما هناك لكل قليل اقل ، وهن لا يتطلعن لاى اكثر .. ابدا لا يتطلعن .
    يدوم الصمت حتى يحدث شئ .. يجئ عصر الجمعة ولا يجئ المقرئ . فلأى اتفاق مهما طال نهاية وقد انتهى الاتفاق .
    وتدرك الارملة وبناتها الان فقط كنه ما تقدم ، ليس فقط الصوت الوحيد الذى كان يقطع الصمت ، ولكن ايضا الرجل الوحيد الذى كان ولو فى الاسبوع مرة يدق الباب ، بل اشياء اخرى يدركن .. فقير مثلهن هذا صحيح ، ولكن ملابسه ابدا كانت نظيفة ، وصندله دائما مطلى ، وعمامته ملفوفة بدقة يعجز عنها المبصرون ، وصوته قوى عميق رنان .
    والاقتراح يبدأ : لماذا لا يجدد الاتفاق ومنذ الان ؟ ولماذا لا يرسل فى طلبه هذه اللحظة ؟ مشغول ، فليكن ! الانتظار ليس بالجديد . وقرب المغرب يأتى ، ويقرأ وكأنه اول مرة يقرأ ، والاقتراح ينشأ .. لماذا لا تتزوج احداهن رجلا يملأ علينا بصوته الدار ؟ هو اعزب لم يدخل دنيا ، وله شارب اخضر ، ولكنه شاب . وبالكلام يجر الكلام ، ها هو الاخر يبحث عن بنت الحلال .
    البنات يقترحن والام تنظر فى وجوههن لتحدد من تكون صاحبة النصيب والاقتراح . ولكن الوجوه تزور مقترحة – فقط مقترحة – قائلة بغير الكلام : أنصوم ونفطر على أعمى ؟ هن مازلن يحلمن بالعرسان ، والعرسان عادة مبصرون ، مسكينات لم يعرفن بعد عالم الرجال ، ومحال أن يفهمن أن الرجل ليس بعينيه .
    - تزوجيه انت يا أماه .. تزوجيه
    - انا ؟ يا عيب الشوم ! .. والناس ؟
    - يقولون ما يقولون .. قولهم اهون من بيت خال من رنين صوت الرجال .
    - أتزوج قبلكن ؟ مستحيل
    - اليس الافضل ان تتزوجى قبلنا ، ليعرف بيتنا قدم الرجال فنتزوج بعدك ؟ تزوجيه يا اماه
    وتزوجته .. زاد عدد الانفس واحدة ، وزاد الرزق قليلا ، ونشأت مشكلة اكبر .
    الليلة الاولى انقضت وهما فى فراشهما ، هذا صحيح ولكنهما حتى لم يجسرا على الاقتراب .. ولو صدفه ! .. فالبنات الثلاث نائمات ، ولكن من كل منهن ينصب زوج من الكشافات المصوبة بدقة الى المسافة الكائنة بينهما .. كشافات عيون ، وكشافات آذان ، وكشافات احساس . البنات كبيرات ، عارفات ومدركات ، والحجرة كأنما تحولت بوجودهن الصاحى الى ضوء نهار . ولكن بالنهار لم تعد ثمة حجة ، وواحدة وراء الاخرى تسللن ولم يعدن الا قرب الغروب ، مترددات خجلات يقدمن رجلا ويؤخرن رجلا ، حتى يزددن قربا وحينذاك يدهشهن .. يربكهن .. يجعلهن يسرعن ضحكات .. قهقهات رجل تتخللها سخسخات امراة .. امهن لابد تضحك ، والرجل الذى ما سمعنه الا مؤدبا خاشعا ها هو يضحك ! بالاحضان قابلتهن ولا تزال تضحك ، راسها عار وشعرها مبلل ممشط ولا تزال تضحك ، وجهها .. ذلك الذى ادركن للتو انه كان مجرد فانوس مطفأ عشعش فيه العنكبوت والتجعيدات ، فجأة انار ، ها هو امامهن كلمبة الكهرباء مضئ . ها هى عيونها تلمع وقد ظهرت وبانت وتلألأت بالدمع الضاحك .. تلك التى كانت مستكنة فى قاع المحجر .
    الصمت تلاشى واختفى تماما ، على العشاء وقبل العشاء وبعد العشاء نكت تترى واحاديث وغناء ! صوته حلو وهو يغنى ويقلد ام كلثوم وعبد الوهاب ، صوته عال اجش بالسعادة يلعلع .
    خيرا فعلت يا اماه ! وغدا تجذب الضحكات الرجال ، فالرجال طعم الرجال .
    نعم يا بنات ، غدا يجئ الرجال ويهل العرسان . ولكن الحق ان ما اصبح يشغلها ليس الرجال او العرسان ولكنه ذلك الشاب كفيف فليكن ، فما اكثر ما نعمى عن رؤية الناس لمجرد انهم عميان . هذا الشاب القوى المتدفق قوة وصحة وحياة ، ذلك الذى عوضها عن سنين المرض والعجز والكبر بغير أوان .
    الصمت تلاشى وكأن الى غير رجعة ، ضجيج الحياة دب . الزوج زوجها وحلالها وعلى سنة الله ورسوله ، فماذا يعيب ؟ وكل ما تفعله جائز ، حتى وهى لم تعد تحفل بالمواربة او بكتمان الاسرار . حتى والليل يجئ وهم جميعا معا ، فيطلق العقال للارواح والاجساد، حتى والبنات مبعثرات متباعدات يفهمن ويدركن وتتهدج منهن الانفاس والاصوات ، مسمرات فى مراقدهن يحبسن الحركة والسعال .. تظهر الاهات فجأة فتكتمها الاهات .
    كان نهارها "غسيل " فى بيوت الاغنياء ، ونهاره قراءة فى بيوت الفقراء ، ولم يكن من عادته اول الامر ان يؤوب الى الحجرة ظهرا ، ولكن لما الليل عليه طال والسهر اصبح يمتد ، بدأ يؤوب ساعة الظهر يريح جسده ساعة من عناء ليل ولى واستعدادا لليل قادم . وذات مرة بعدما شبعا من الليل وشبع الليل منهما ، سألها فجأة عما كان بها ساعة الظهر، ولماذا هى منطلقة تتكلم الان ومعتصمة بالصمت التام ساعتها ؟ ولماذا تضع الخاتم العزيز عليه الان – اذ هو كل ما كلفه الزواج من دبلة ومهر وشبكة وهدايا – ولماذا لم تكن تضعه ساعتها؟
    كان ممكنا ان تنتفض هالعة واقفة صارخة . كان ممكنا ان تجن . كان ممكنا ان يقتله احد . فليس لما يقوله الا معنى واحد ، ما اغربه وابشعه من معنى !
    ولكن غصة خانقة حبست كل هذا وحبست معه انفاسها .. سكتت . بآذانها التى حولتها الى انوف وحواس وعيون راحت تتسمع وهمها الاول ان تعرف الفاعلة . انها متأكدة لامر ما انها الوسطى . ان فى عينيها جرأة لا يقتلها الرصاص اذا اطلق .. ولكنها تتسمع الانفاس الثلاثة تتعالى عميقة حارة كأنها محمومة .. ساخنة بالصبا تجأر ، تتردد ، تنقطع ، احلام حرام تقطعها .. انفاس باضطرابها تتحول الى فحيح .. فحيح كالصهد الذى تنفثه اراض عطشى ، والغصة تزداد عمقا واحتباسا . انها انفاس جائعات ما تسمع، بكل شحذها لحواسها لا تستطيع ان تفرق بين كومة لحم حى ساخنة مكتومة وكومة اخرى . كلها جائعة ! كلها تصرخ وتئن ، وانينها يتنفس ليس انفاسا ، ربما استغاثات . ربما رجوات .. ربما ما هو اكثر .
    غرقت فى حلالها الثانى ونسيت حلالها الاول .. بناتها ! والصبر اصبح علقما ، وحتى سراب العرسان لم يعد يظهر . فجأة ملسوعة ها هى كمن استيقظ مرعوبا على نداء خفى .. البنات جائعات ! الطعام حرام صحيح ولكن الجوع احرم .. ابدا ليس مثل الجوع حرام ! انها تعرفه .. عرفها ويبس روحها ومص عظامها ، وتعرفه – وشبعت ما شبعت – مستحيل ان تنسى مذاقه .
    جائعات وهى التى كانت تخرج اللقمة من فمها لتطعمهن … هى التى كان همها حتى لو جاعت ان تطعمهن ، هى الام ، انسيت ؟
    والح مهما الح تحولت الغصة الى صمت. الام صمتت ومن لحظتها لم يغادرها الصمت .
    وعلى الافطار كانت – كما قدرت تماما- الوسطى صامتة
    وعلى الدوام ظلت صامتة
    والعشاء يجئ والشاب – سعيدا وكفيفا ومستمتعا – ينكت لا يزال و يغنى ويضحك ولا يشاركه الضحك الا الصغرى والكبرى فقط .
    ويطول الصبر ويتحول علقمه الى مرض ولا احد يطل .
    وتتأمل الكبرى ذات يوم خاتم امها فى اصبعها وتبدى الاعجاب به ، ويدق قلب الام وتزداد دقاته وهى تطلب منها ان تضعه ليوم ، لمجرد يوم واحد لا غير . وفى صمت تسحبه من اصبعها . وفى صمت تضعه الكبرى فى اصبعها المقابل .
    وعلى العشاء التالى تصمت الكبرى وتأبى النطق
    والكفيف الشاب يصخب ويغنى ويضحك، والصغرى تشاركه
    ولكن الصغرى تصبح – بالصبر والهم وقلة البخت – اكبر ، وتبدأ تسأل عن دورها فى لعبة الخاتم ، وفى صمت تنال الدور .
    والخاتم بجوار المصباح … الصمت يحل فتعمى الآذان . وفى الصمت يتسلل الاصبع صاحب الدور ويضع الخاتم فى صمت ايضا ويطفئ المصباح والظلام يعم ، وفى الظلام تعمى العيون . ولا يبقى صاخبا منكتا مغنيا ، الا الكفيف الشاب .فوراء صخبه وضجته تكمن رغبة تكاد تجعله يثور على الصمت وينهال عليه تكسيرا . انه هو الاخريريد ان يعرف .. عن يقين يعرف . كان اول الامر يقول لنفسه انها طبيعة المرأة التى تأبى البقاء على حال واحد ، فهى طازجة صابحة كقطر الندى مرة ، ومنهكة مستهلكة كماء البرك مرة اخرى . ناعمة كملمس ورق الورد مرة . خشنة كنبات الصبار مرة اخرى . الخاتم دائم وموجود صحيح ،ولكن وكأنما الاصبحع الذى يطبق عليه كل مرة اصبع انه يكاد يعرف، وهن بالتأكيد كلهن يعرفن، فلماذا لا يتكلم الصمت ؟ لماذا لا ينطق ؟
    ولكن السؤال يباغته ذات عشاء، ماذا لو نطق الصمت ؟ ماذا لو تكلم ؟
    مجرد التساؤل اوقف اللقمة فى حلقه
    ومن لحظتها لاذ بالصمت تماما وابى ان يغادره
    بل هو الذى اصبح خائفا ان يحدث المكروه مرة ويخدش الصمت . ربما كلمة واحدة تفلت فينهار لها بناء الصمت كله ، والويل له لو انهار بناء الصمت
    الصمت المختلف الغريب الذى اصبح يلوذ به الكل
    الصمت الارادى هذه المرة ، لا الفقر ، لا القبح ، لا الصبر ولا اليأس سببه .
    انما هو اعمق انواع الصمت ، فهو الصمت المتفق عليه اقوى انواع الاتفاق ، ذلك الذى يتم بلا اى اتفاق
    * * *
    الارملة وبناتها الثلاث
    والبيت حجرة
    والصمت الجديد
    والمقرئ الكفيف الذى جاء معه بذلك الصمت ، وبالصمت راح يؤكد لنفسه ان شريكته فى الفراش على الدوام هى زوجه وحلاله وزلاله وحاملة خاتمه ، تتصابى مرة او تشيخ ، تنعم او تخشن ، ترفع او تسمن ، هذا شأنها وحدها ، بل هذا شأن المبصرين ومسئوليتهم وحدهم ! هم الذين يملكون نعمة اليقين ، اذا هم القادرون على التمييز . واقصى ما يستطيعه هو ان يشك ، شك لا يمكن ان يصبح يقينا الا بنعمة البصر ، ومادام محروما منه فسيظل محروما من اليقين ، اذ هو الاعمى ، وليس على الاعمى حرج

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة أبريل 19, 2024 3:18 pm